سورة المعارج - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المعارج)


        


{سَأَلَ سَائِلٌ} أي دَعَا داعٍ {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} أي استدعاهُ وطلبَهُ وهُو النَّضرُ بنُ الحارثِ حيثُ قالَ إنكاراً واستهزاءً: «إنْ كانَ هَذا هُو الحقَّ من عندِكَ فأمطرْ علينا حجارةً من السماءِ أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ»، وقيلَ أبُو جهلٍ حيثُ قالَ أسقطْ علينا كسفاً من السماءِ، وقيلَ هو الحارثُ بنِ النعمانِ الفهريُّ وذلكَ أنَّه لما بلغَهُ قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في عليَ رضيَ الله عنهُ من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ قالَ اللهمَّ إنْ كانَ ما يقولُ محمدٌ حقاً فأمطرْ علينا حجارةً من السماءِ، فما لبثَ حَتَّى رماهُ الله تعالَى بحجرٍ فوقعَ على دماغِهِ فخرجَ من أسفلِهِ فهلكَ من ساعتِهِ، وقيلَ هُو الرسولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ استعجلَ عذابَهُمْ. وقرئ: {سَأَلَ}، وهو إمَّا من السؤالِ على لُغةِ قُريشٍ فالمَعْنَى ما مرَّ أو من السَّيلانِ، ويؤيدُهُ أنَّهُ قرئ: {سالَ سيلٌ} أي اندفعَ وادٍ بعذابٍ واقعٍ. وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على تحققِ وقوعِهِ إمَّا في الدُّنيا وهو عذابُ بومِ بدرٍ فإنَّ النضرَ قُتِلَ يومئذٍ صَبْراً، وقد مرَّ حالُ الفهريِّ، وإمَّا في الآخرةِ فهو عذابُ النارِ والله أعلمُ. {للكافرين} صفةٌ أُخرى لعذابٍ أي كائنٍ للكافرينَ، أو صلةٌ لواقعٍ، أو متعلقٌ بسألَ أي دَعَا للكافرينَ بعذابٍ واقعٍ. وقولُهُ تعالَى: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} صفةٌ أُخرى لعذابٍ، أو حالٌ منهُ لتخصصِهِ بالصفةِ أو بالعملِ أو من الضميرِ في للكافرينَ على تقديرِ كونِهِ صفةً لعذابٍ أو استئنافٌ {مِنَ الله} متعلقٌ بواقعٍ أو بدافعٌ أي ليسَ له دافعٌ من جهتِهِ تعالَى: {ذِي المعارج} ذِي المصاعدِ التي يصعدُ فيها الملائكةُ بالأوامرِ والنَّواهِي أو هي عبارةٌ عن السمواتِ المترتبةِ بعضِهَا فوقَ بعضٍ {تَعْرُجُ الملائكة والروح} أي جبريلُ عليهِ السَّلامُ، أفردَ بالذكرِ لتميزِهِ وفضلِهِ وقيلَ الروحُ خلقٌ هم حفظة على الملائكةِ كما أنَّ الملائكةَ حفظةٌ على الناسِ. {إِلَيْهِ} إلى عرشِهِ تعالَى وإلى حيثُ تهبطُ منهُ أوامرُهُ تعالَى وقيلَ هو من قبيلِ قولِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى} أي إلى حيثُ أمرنِي بهِ.
{فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} مما يعدُّه الناسُ وهو بيانٌ لغايةِ ارتفاعِ تلكَ المعارجِ وبُعدِ مَداها على منهاجِ التمثيلِ والتخييلِ، والمَعْنَى أنَّها من الارتفاعِ بحيثُ لو قُدِّرَ قطعُها في زمانٍ لكانَ ذلكَ الزمانُ مقدارَ خمسينَ ألفَ سنةٍ من سِنِي الدُّنيا، وقيلَ معناهُ تعرُجُ الملائكةُ والروحُ إلى عرشِهِ تعالَى في يومٍ كان مقدارُهُ كمقدارِ خمسينَ ألفَ سنةٍ أي يقطعونَ في يومٍ ما يقطعُهُ الإنسانُ في خمسينَ ألفَ سنةٍ لو فُرضَ ذلكَ، وقيلَ في يومٍ متعلقٌ بواقعٍ، وقيل بسال على تقديرِ كونِهِ من السَّيلانِ، فالمرادُ به يومُ القيامةِ، واستطالتُهُ إمَّا لأنَّه كذلكَ في الحقيقةِ أو لشدتِهِ على الكفارِ أوْ لكثرةِ ما فيهِ من الحالاتِ والمحاسباتِ، وأيَّاً ما كانَ فذلكَ في حقِّ الكافرِ وأمَّا في حقِّ المؤمنِ فلاَ، لِمَا رَوَى أبو سعيدٍ الخدريُّ رضيَ الله عنهُ أنَّه قيلَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما أطولَ هذا اليومَ، فقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «والذي نفسِي بيدِهِ أنَّهُ ليخِفُّ على المؤمنِ حتى إنَّهُ يكونُ أخفَّ من صلاةٍ مكتوبةٍ يُصلِّيها في الدُّنيا». وقولُه تعالَى:


{فاصبر صَبْراً جَمِيلاً} متعلقٌ بسألَ لأنَّ السؤالَ كانَ عن استهزاءٍ وتعنتٍ وتكذيبٍ بالوحيِ، وذلكَ ممَّا يُضجره عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أو كانَ عن تضجرٍ واستبطاءٍ للنصرِ، أو بسألَ سائلٌ أو سالَ سيلٌ فمعناهُ جاءَ العذابُ لقُربِ وقوعِهِ فقد شارفتَ الانتقامَ. {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ} أيِ العذابَ الواقعَ أو يومَ القيامةِ على تقديرِ تعلقِ «في يومٍ» بواقعٍ {بَعِيداً} أي يستبعدونَهُ بطريقِ الإحالةِ فلذلكَ يسألونَ بهِ {وَنَرَاهُ قَرِيباً} هيناً في قُدرتِنَا غيرَ بعيدٍ علينا ولا متعذرٍ على أنَّ البُعدَ والقُربَ معتبرانِ بالنسبةِ إلى الإمكانِ. والجملةُ تعليلٌ للأمرِ بالصبرِ. وقولُه تعالَى: {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} متعلقٌ بقريباً أيْ يمكنُ ولا يتعذرُ في ذلكَ اليومِ أو بمضمرٍ دلَّ عليهِ واقعٍ أو بمضمرٍ مؤخرٍ، أي يومَ تكونُ السماءُ كالمهلِ إلخ يكونُ من الأحوالِ والأهوالِ ما لا يُوصفُ، أو بدلٌ منْ في يومٍ على تقديرِ تعلقِهِ بواقعٍ. هذا ما قالُوا ولعلَّ الأقربَ أنَّ قولَهُ تعالَى سأل سائلٌ حكايةٌ لسؤالِهِم المعهودِ على طريقةِ قولِهِ تعالَى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة} وقولِهِ تعالَى: {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} ونحوهِما إذْ هُو المعهودُ بالوقوعِ على الكافرينَ لا ما دَعَا بهِ النضرُ أو أبُو جهلٍ أو الفهريُّ فالسؤالُ بمعناهُ والباءُ بمَعْنَى عنْ كَما في قولِهِ تعالَى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} وقولُه تعالَى: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} إلخ استئنافٌ مسوقٌ لبيانِ وقوعِ المسؤولِ عنهُ لا محالةَ وقولُهُ تعالَى: {فاصبر صَبْراً جَمِيلاً} مترتبٌ عليهِ وقولُه تعالَى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} تعليلٌ للأمرِ بالصبرِ كما ذُكِرَ. وقولُهُ تعالَى: {يَوْمَ تَكُونُ} إلخ متعلقٌ بليسَ له دافعٌ أو بما يدلُّ هو عليهِ أي يقعُ يومَ تكونُ السماءُ كالمهلِ، وهو ما أُذيبَ على مَهَلٍ من الفلزاتِ وقيلَ دُرْدِيُّ الزيتِ.


{وَتَكُونُ الجبال كالعهن} كالصوفِ المصبوغِ ألواناً لاختلافِ ألوانِ الجبالِ منها {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها وَغَرَابِيبُ سُودٌ} فإذا بُسَّتْ وطيّرتْ في الجوِّ أشبهتِ العهنَ المنفوشَ إذَا طيرته الريحُ {وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} أي لا يسألُ قريبٌ قريباً عن أحوالِهِ ولا يُكلمه لابتلاءِ كلَ منهُم بما يشغلُهُ عن ذلكَ. وقرئ على البناءِ للمفعولِ، أيْ لا يُطلبُ منْ حميمٍ حميمٌ أو لا يسألُ منْهُ حالةٌ. {يُبَصَّرُونَهُمْ} أي يُبصِرُ الأحماءُ الأحماءَ فلا يخفَونَ عليهم وما يمنعُهُم من التساؤلِ إلا تشاغلُهُم بحالِ أنفسِهِم، وقيلَ ما يُغني عنهُ من مشاهدةِ الحالِ كبياضِ الوجهِ وسوادِهِ، والأولُ أدخلُ في التهويلِ. وجمعَ الضميرينِ لعمومِ الحميمِ. وقرئ: {يُبْصِرُونَهُمْ}، والجملةُ استئنافٌ {يَوَدُّ المجرم} أي يتمنَّى الكافرُ وقيلَ كلُّ مذنبٍ. وقولُهُ تعالَى: {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} أي العذابَ الذي ابتلُوا بهِ يومئذٍ {بِبَنِيهِ * وصاحبته وَأَخِيهِ} حكايةٌ لودادتِهِم. ولوُ في مَعْنَى التمنِّي، وقيلَ هي بمنزلةِ أنِ الناصبةِ فلا يكونُ لها جوابٌ وينسبكُ منهَا وممَّا بعدَها مصدرٌ يقعُ مفعولاً ليودُّ والتقديرُ يودُّ افتداءَهُ ببنيهِ الخ. والجملةُ استئنافٌ لبيانِ أنَّ اشتغالَ كلِّ مجرمٍ بنفسِهِ بلغَ إلى حيثُ يتمنَّى أن يفتدي بأقربِ الناسِ إليهِ وأعلقِهِم بقلبِهِ فضلاً أن يهتمَّ بحالِهِ ويسألَ عَنْهَا. وقرئ: {يومَئذٍ} بالفتحِ على البناءِ للإضافةِ إلى غيرِ متمكنٍ، وبتنوينِ عذابٍ ونصبِ يومئذٍ وانتصابُهُ بعذابٍ لأنَّه في مَعْنَى تعذيبٍ.
{وَفَصِيلَتِهِ} أي عشيرتِهِ التي فُصِلَ عنهُم {وَفَصِيلَتِهِ التى} أي تَضمنُهُ في النسبِ أو عندَ الشدائدِ {وَمَن فِى الأرض جَمِيعاً} من الثقلينِ والخلائقِ ومَنْ للتغليبِ {ثُمَّ يُنجِيهِ} عطفٌ على يفتدِي أو يودُّ لو يفتدِي ثم لو ينجِيهِ الافتداءُ، وثمَّ لاستبعادِ الإنجاءِ، يعني يتمنَّى لو كانَ هؤلاءِ جميعاً تحتَ يدِه وبذلَهُم في فداءِ نفسِهِ ثمَّ ينجيهِ ذلكَ وهيهاتَ {كَلاَّ} ردعٌ للمجرمِ عن الودادةِ وتصريحٌ بامتناعِ إنجاءِ الافتداءِ، وضميرُ {أَنَّهَا} إما للنارِ المدلولِ عليها بذكرِ العذابِ أو هو مبهمٌ تُرجَمَ عند الخبرِ الذي هُو قولُهُ تعالَى: {لظى} وهي علمٌ للنارِ منقولٌ منَ اللَّظى بمَعْنَى اللهبِ.

1 | 2 | 3